دارسو فصل الإثنوغرافيا في قطر يستضيفون سلسلة من المتخصصين في التراث وثقافات الشعوب
تلقى طلاب جامعة جورجتاون في قطر الذين يدرسون ثقافة قطر وشعبها لمحة تاريخية عميقة عن تغلغل تأثير صناعة صيد اللؤلؤ على ثقافة شعب قطر قدمها إليهم الدكتور عبد الله السليطي، نائب مدير الأبحاث والمقتنيات في متاحف قطر. وسلطت محاضرته، التي حملت عنوان “مجتمع الغوص في قطر: بين التراث والتقاليد الراسخة”، الضوء على نشاطات صيد اللؤلؤ قبل وقت طويل من اكتشاف النفط والغاز الذين غّيرا الحياة في قطر، حيث كان الغوص بحثا عن اللؤلؤ بمثابة حجر الزاوية في الاقتصاد القطري، وساهم في تشكيل النسيج الثقافي والاجتماعي للأمة. وأوضح د. السليطي أن القيم الأساسية المتمثلة في المرونة والعمل الجاد والروابط المجتمعية التي تم ترسيخها خلال تلك الفترة لا تزال هامة للمجتمع القطري اليوم.
كانت المحاضرة المصورة للدكتور السليطي واحدة من عدة محاضرات خاصة وعروض مصورة قدمها ضيوف على هذا الفصل الدراسي الفريد حول ثقافات وحضارات الشعوب، أو ما يعرف بالإثنوغرافيا في قطر، تلك المادة الشيقة التي تدرسها الدكتورة رقية أبو شرف، أستاذة الأنثروبولوجيا. ويهدف هذا الفصل الدراسي إلى تزويد الطلاب بالمادة النظرية و بالأدوات العملية وإلهامهم لعمل مشاريع إثنوغرافية خاصة بهم تتناول تراث قطر الغني.
وعن هذا المنهج الدراسي تقول الدكتورة رقية أبو شرف: “يظل إنتاج المعرفة المحلية أمر امهما، ويجب أن نزرع البذور التي تشجع جيل الشاب من القطريين وزملائهم الأجانب على إنتاج روايات وخطابات وتحليلات من وجهة نظرهم كمطلعين على الثقافة”، وأضافت قولها ” أعترف بأنني كنت قلقة بشأن تحيز العمل الأنثروبولوجي المنتج في السياقات الأوروبية الأمريكية وميله إليها بدرجة لا تعكس الحقائق على أرض الواقع”.
وقدم الدكتور السليطي نموذجا لكيفية قيام الباحث والخبير الثقافي بتقديم المزيد من السياقات، من خلال تجاوز الروايات الغربية التي تركز على الجوانب الاقتصادية لصيد اللؤلؤ، ليخوض في شرح الآثار الاجتماعية، حيث استفاض في تفاصيل كيف أن الغوص بحثا عن اللؤلؤ في الخليج لم يكن مجرد مهنة في قطر ما قبل النفط. بل كان أسلوب حياة، وكانت اللآلئ المجمعة تستخدم كأصل مادي بالغ القيمة كالمعادن النفيسة والجواهر، بدلا من ثقبها للاستخدام كمجوهرات. أعاد الدكتور السليطي الطلاب إلى التاريخ من خلال الرسومات والصور والأفلام لقوارب صيد اللؤلؤ المصنوعة محليا، وغواصي اللؤلؤ، وأدوات الغوص، ومن خلال الاستماع لتسجيلات الأناشيد والإيقاعات التقليدية للغواصين، قدم الدكتور السليطي حجة قوية لكيفية قيام نمط الحياة ومخاطر صيد اللؤلؤ بصياغة ثقافة فريدة في قطر ، وكان مصدر فخر كبير.
“إنها تعود إلى آلاف السنين. وتاريخيا تم الاعتراف بقطر كواحدة من المصادر الرئيسية للؤلؤ، حيث برزت حتى بين اللآلئ الخليجية الأخرى التي كانت تحظى بتقدير كبير لجودتها الاستثنائية”. في ذروة هذه الصناعة، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان لكل عائلة قطرية تقريبا صلة بصناعة الغوص بحثا عن اللؤلؤ. ربطت هذه التجارة قطر بالعالم الواسع وساعدت في بناء سمعتها مبكرا كمركز تجاري، وبحلول القرن التاسع عشر، أصبحت قطر لاعبا رئيسيا في تجارة اللؤلؤ العالمية، حيث تصدر اللؤلؤ إلى الأسواق في الهند وبلاد فارس وأوروبا وغيرها”.
وخلص الدكتور السليطي إلى أنه على الرغم من أن الغوص بحثا عن اللؤلؤ لم يعد نشاطا اقتصاديا رئيسيا، إلا أن إرثه الحضاري عاش في الهوية الثقافية لدولة قطر. فلا تزال ذكريات مثابرة الغواصين وشجاعتهم وروحهم الجماعية مصدر عزة وفخر، ويتم الحفاظ على التقاليد المرتبطة بهذه الممارسات الصعبة من خلال المهرجانات والمتاحف والتعليم.
وقد أعرب الطلاب عن تقديرهم لحديث الدكتور السليطي وللعرض التقديمي باعتباره مثالا إضافيا على كيفية إنشاء دراسة إثنوغرافية لدولة قطر، ويأتي هذا اللقاء الثري بعد العروض التقديمية والمحاضرات التي ألقاها أعضاء بارزون آخرون في المجتمع بما في ذلك محمد همام فكري، مستشار التراث والكتب النادرة في مؤسسة قطر، والمهندس المعماري الشهير إبراهيم الجيدة، الرئيس التنفيذي للمجموعة وكبير المهندسين المعماريين في المكتب العربي للهندسة، وإبراهيم الجيدة للمهندسين المعماريين والمهندسين، ومؤلف العديد من الكتب حول العمارة في قطر.
وتضيف د. أبو شرف قولها: “آمل من خلال هذه اللقاءات أن يتمكن طلابي من التعرف على أبرز المهندسين المعماريين و أمناء المحفوظات والمتاحف كنماذج يحتذى بها ومصادر قيمة للمعلومات”. وذكرت أن الطلاب حاليا يعملون على مشروعات الإثنوغرافيا الخاصة بهم في قطر، والتي سيتم تقديمها في ختام هذا المنهج الدراسي.