على المجتمع الدولي أن يتحرك لمساعدة اللاجئين العراقيين

يؤكد أحد التقارير الصادرة حديثا، والذي نشره معهد جامعة جورجتاون لدراسة الهجرة الدولية ومركز الدراسات الدولية والإقليمية أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يكون أكثر إيجابية تجاه أزمة اللاجئئين العراقيين المتفاقمة، حيث يعيش أكثر من 2 مليون عراقي كلاجئين، لا سيما في سوريا والأردن، نتيجة الحرب على العراق. ويضيف الباحثون في المشروع أن تفاقم احتياجات هؤلاء اللاجئين أصبح يشكل أزمة إنسانية تهدد المنطقة بأسرها.

في هذا السياق، تؤكد باتريشيا ويز فاجين، مشارك أول في معهد دراسة الهجرة الدولية، وكاتب التقرير: “مع تدهور أوضاع اللاجئين العراقيين، تتزايد الضغوط على مؤسسات الدول المضيفة، التي تستطيع بالكاد توفير الخدمات لمواطنيها، كما تتزايد احتمالات إغلاق الحدود، مما يجعل الحاجة إلى المساعدات الدولية أكثر إلحاحا، ومن ثم يمثل الاعتراف بوجود أزمة لاجئين حقيقية خطوة أولى على صعيد توفير الحلول للأزمة التي يقاسيها العراقيون والدول المضيفة على السواء.”

تشير الدراسة إلى أن النزوح العراقي الراهن يٌعد الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، منذ عمليات الهروب الجماعي التي شهدتها فلسطين عام 1948، بل ويفوقه من حيث أعداد المهاجرين وأعداد القابعين تحت نير الحرب، ولا يزالون يبحثون عن مخرج للهجرة. في الوقت ذاته، وبينما تعلن حكومتا سوريا والأردن ترحيبهما بالعراقيين في بلدانهم، يواجه المهاجرون العراقيون في حقيقة الأمر مأزقا قانونيا، حيث أن الدولتين المضيفتين غير مؤهلتين لاستضافة العراقيين على أراضيهما على المدى البعيد.

يقدم التقرير تحليلا لوضع اللاجئين العراقيين في كلتا الدولتين. ففي الأردن، التي أغلقت حدودها في وجه اللاجئين العراقيين في وقت مبكر من هذا العام، حسبما يؤكد الباحثون بالمشروع، لا تمتلك الحكومة أية إحصاءات دقيقة أو حديثة عن تعداد اللاجئين إلى أراضيها، مما يؤثر سلبا على جهود المساعدات الدولية. إضافة إلى ذلك، يؤكد الباحثون حاجة الأردن إلى صياغة قواعد واضحة بشأن الوضع القانوني والحقوق الاقتصادية للعراقيين. وتشير الدراسة إلى أن الأردنيين في عمان، المدينة الأكثر تأثرا باللاجئين، يٌحملون العراقيين مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية، الناتجة عن ارتفاع أسعار الغاز والسكن، إضافة إلى زيادة معدلات التضخم والجريمة والاختناقات المرورية. من ناحية أخرى، تشير الدراسة إلى الإسهامات الفعالة التي يقدمها العراقيون لإنعاش الاقتصاد الأردني من خلال زيادة معدلات شراء السلع والخدمات ودعم سوق العمل.

على الصعيد ذاته، أعلنت سوريا إجراء بعض التعديلات على سياسة فتح الحدود المتعارف عليها، وذلك بإلزام العراقيين باستخراج تأشيرات دخول، وقصر هذه التأشيرات على رجال الأعمال والأكاديميين. ويشير التقرير إلى أن البيانات والإحصائيات الخاصة باللاجئين العراقيين يعوزها – على غرار الوضع في  الأردن – الكثير من الدقة، فضلا عن عدم توافرها بالأساس، مما يعوق جهود المساعدات الدولية. إضافة إلى ذلك، لا تمتلك الحكومة السورية خطة طويلة المدى لإدراج العراقيين ضمن قوائم السكان المحليين، فضلا عن تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة الضغوط التي يخلفها تدفق اللاجئين. تشير الدراسة أيضا إلى مكامن القوة والضعف في جسد الاقتصاد السوري، إلا أنها تؤكد أن الفئة المستفيدة من من مناطق القوة في هذا الاقتصاد لا تمثل النسبة الغالبة من الشعب السوري، الذي يعاني معظمه من الفقر والجريمة، إضافة إلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، والتي لا يمكن ردها فقط إلى المهاجرين العراقيين.

يقدم التقرير أيضا تحليلا لجهود المساعدات الدولية حتى الآن والآفاق المستقبلية لإعادة توطين المهاجرين، ويشير إلى تفشي حالة من الإحجام والتردد عبر منطقة الشرق الأوسط والمجتمع الدولي في المساعدة في إعادة توطين المهاجرين العراقيين، مما دفع بعض الدول المانحة – تفاديا للمعوقات البيروقراطية الناجمة عن التعاون بصورة مباشرة مع حكومتي الدولتين المضيفتين – إلى ضخ مساعداتها عبر منظمات دولية، متعاونة، أو ربما غير متعاونة، مع حكومتي الأردن وسوريا.

أخيرا، توصي الدراسة بضرورة قيام حكومتي الأردن وسوريا بوضع استراتيجية وطنية طويلة المدى للسكان العراقيين، تتضمن آليات أفضل لعمل إحصائيات أكثر دقة عن اللاجئين، وتصحيح أوضاعهم القانونية. كما يطالب التقرير دول المنطقة باتخاذ خطوات إيجابية للمساعدة في حل مشكلات اللاجئين. ومع حظر عمليات النزوح عبر الحدود الأردنية والسورية، يتعين على المجتمع الدولي ودول الجوار والعراق ذاتها اتخاذ خطوات أكثر إيجابية لمساعدة اللاجئين.

قضى الباحثين، باتريشيا ويز فاجين وسمير جرة، مدير مركز العالم العربي للديمقراطية والتنمية بعمًان، قرابة أسبوع كامل في كل من الأردن وسوريا، لمقابلة المسؤولين الحكوميين ومسؤولي الأمم المتحدة والهيئات المانحة والخبراء والمحللين المستقلين والعراقيين، الذين عولت تحليلاتهم أيضا بشكل أساسي على التوثيق الشامل والمتنامي لأوضاع العراقيين القانونية واحتياجاتهم الأساسية وفرصهم للحصول على حياة كريمة.