لماذا بُني استاد المدينة التعليمية ليكون صرحًا مستدامًا
مقال رأي بقلم البروفيسور دانييل رايشه، الأستاذ المشارك الزائر بجامعة جورجتاون قطر، حول الأسباب الكفيلة بجعل استاد المدينة التعليمية قادرًا على وضع معايير جديدة للإرث والديمومة من موقعه في قلب البيئة المعرفية بمؤسسة قطر
يضع استاد المدينة التعليمية، التي تم تدشينه رسميًا في شهر يونيو الماضي وسيستضيف بعض مباريات كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، مثالاً معياريًا لبرنامج إدارة الإرث في مرحلة ما بعد الحدث الرياضي الكبير.
فقد شهدت البطولات السابقة اتباع مسار مأسوف من الإدمان على إساءة استخدام الموارد العامة في تنظيم بطولات كأس العالم والألعاب الأولمبية؛ فعلى شاكلة بطولتي كأس العالم لكرة القدم جنوب أفريقيا 2010 والبرازيل 2014، خلّفت بطولة 2018 “تبعات اقتصادية هائلة” في البلد المضيف روسيا. وتمثلت التبعات في البنية التحتية، وهي الملاعب التي بُنيت لاحتضان التظاهرة الرياضية الكبرى دون التفكير بطريقة استخدامها على المدى البعيد، ما سبّب تكاليف مهولة على صعيد الصيانة ستبقى تشكّل عبئًا ماليًا لعقود قادمة.
ومن الأمثلة على ذلك استاد مونتريال الأولمبي الذي استضاف الألعاب الأولمبية عام 1976، واستاد كيب تاون الذي بُني لاستضافة بعض مباريات كأس العالم لكرة القدم 2010. وفي كلتا الحالتين لا توجد نوادٍ محلية تستخدم الاستادين بشكل مستمر، فضلاً عن تكاليف الصيانة المهولة التي ترتبت على بلديتي المدينتين. أما في الشرق الأوسط فإن أوضح مثال هو الاستاد الأولمبي في مدينة طرابلس بشمال لبنان الذي شُيّد لاستضافة بعض مباريات كأس أمم آسيا لكرة القدم 2000 علمًا أن نادي طرابلس لكرة القدم يستخدم ملعبًا آخر هو استاد طرابلس البلدي.
ومن بين الأسباب الرئيسة لظهور التبعات الاقتصادية الهائلة المعاييرُ الرئيسية المعتمدة في بناء الاستادات الجديدة التي تستضيف الفعاليات الرياضية الكبرى، والتي كانت تُختصر في اختيار موقع جذاب يؤمّن التقاط صور أخاذة للبث التلفزيوني كما هي الحال في كيب تاون حيث الإطلالة على روعة جبل تيبل، وفي طرابلس حيث الإطلالة على سحر البحر المتوسط، بمعنى أن الأولوية كانت للترويج السياحي عوضًا عن الاستخدام بعيد الأمد للمنشأة في فترة ما بعد الأسابيع القليلة التي تمتد عليها الفعالية الرياضية.
وفي مقالة نشرتها الصحيفة الألمانية اليومية سوتديتشه تسايتونغ، فإن 10 من أصل الاستادات الاثني عشر التي احتضنت كأس العالم لكرة القدم روسيا 2018 كانت تتسع لأكثر من 40 ألف متفرج، في حين أن متوسط الحضور الجماهيري في دوري الدرجة الأولى لكرة القدم بروسيا يبلغ 14 ألفًا فقط، وهو رقم أدنى بكثير من القدرة الاستيعابية للاستادات التي جرى تجديدها وتوسيعها لاستضافة مباريات البطولة العالمية، ناهيك عن أن خمسةً من الملاعب الاثني عشر شُيّدت أصلاً في مدن ليس فيها فرق تلعب في دوري الدرجة الأولى.
وقد استخلص مصممو استاد المدينة التعليمية العبر والدروس من التجارب السابقة، فوضعوا خططًا طموحة لاستخدام الاستاد بعد انقضاء البطولة عام 2022، حيث سيتم تخفيض السعة الاستيعابية للاستاد من 40 ألفًا إلى النصف. وسيتم تفكيك مقاعد الطبقة العليا والتبرع بها إلى أحد البلدان النامية التي تفتقر إلى البنية التحتية الرياضية. وبعد انتهاء العرس الكروي سيعمل الاستاد المصغر على خدمة المجتمع المحلي، وخاصة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس العاملين بمؤسسة قطر.
تبلغ مساحة المدينة التعليمية 12 كليومترًا مربعًا، وتستضيف بين جنباتها عددًا من المؤسسات التعليمية والبحثية، ويبلغ عدد الطلاب فيها حوالي 8 آلاف موزعين على تسع جامعات وإحدى عشرة مدرسة. وهذا هو المجتمع الذي سيخدمه الاستاد طويلاً بعد البطولة العالمية. ومن بين العوامل التي ستدعم استخدام الاستاد في مرحلة ما بعد قطر 2022 محطة مترو المدينة التعليمية (مترو الدوحة – الخط الأخضر)، والتي تبعد عن الاستاد مسافة 500 متر لا غير.
وقد أعلنت مؤسسة قطر في الآونة الأخيرة أن استاد المدينة التعليمية سيغدو موطنًا لمدرستين اثنتين، هما أكاديميتي وأكاديمية قطر للعلوم والتكنولوجيا، علمًا أن الاستاد، الذي نال شهادة >>جي ساس<< من فئة الخمس نجوم عن التصميم والبناء من المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة، سيستضيف أيضًا مكاتب عدد من المنظمات غير الحكومية التي تُعنى باستخدام الرياضة أداةً للتنمية، فضلاً عن بعض النوادي الرياضية المحلية التي ستستخدم مرافق الاستاد والفعاليات الترفيهية التي ستقام على أرضه، ما يعني فعليًا تحويله إلى مركز للرياضة والترفيه والفعاليات الاجتماعية للطلاب وأفراد المجتمع على السواء.
ولو رأت هذه الخطط الطموحة النور فلا ريب أن منظّمي الفعاليات الرياضية الكبرى مستقبلاً سيعتمدون استاد المدينة التعليمية دليلاً مرجعيًا في رسم خططهم لإدارة الإرث في مرحلة ما بعد البطولات.
دانييل رايشه أستاذ مشارك زائر بجامعة جورجتاون قطر. حرّر رفقةَ تامر سوريك من جامعة فلوريدا مجلدًا بعنوان “الرياضة والسياسة والمجتمع في الشرق الأوسط” (Sport, Politics and Society in the Middle East) نشرته مطبعة جامعة أكسفورد/هيرست.