أستاذة بجامعة جورجتاون في قطر : “الطاقة المتجددة ليست مستدامة بدون عدالة”
“كيفية إدارة الطاقة في بلد ما هو المفتاح لفهم نظامه السياسي وأجندته”، هكذا أوضحت المؤرخة د. تريش كاهلي، في حفل تدشين كتابها الأول في جامعة جورجتاون في قطر “مواطنة الطاقة: الفحم والديمقراطية في القرن الأمريكي“، الذي صدر مؤخرا عن مطابع جامعة كولومبيا. “الطاقة ليست مجرد مورد، ولكنها علاقة بين الناس، وباعتبارها أساس الاقتصاد السياسي، فإن الطاقة وأسلوب إدارتها والسيطرة عليها لهما تأثير عميق على المجتمع”.
تتعمق د. تريش كاهلي، الأستاذ المساعد بجامعة جورجتاون في قطر، من خلال كتابها، في الجانب الإنساني لمصادر الطاقة، وتعرض منظورا جديدا غير مطروق لتاريخ عمال مناجم الفحم في أمريكا والبصمات التي تركوها على قوانين البلاد وتصوراتها السياسية. ومع ذلك، لا يقتصر بحثها على التاريخ الأمريكي وحده، بل يتناول أيضا الاتجاهات العالمية الأوسع التي تؤثر على الحكم والظلم في جميع أنحاء العالم.
أثناء البحث في آلاف الصفحات من أرشيفات عمال مناجم الفحم والإفادات الخطية والتاريخ الشفوي لتأليف الكتاب، عثرت د. تريش كاهلي على صلات مفاجئة وروابط لم تكن متوقعة بالشؤون الخارجية الأمريكية، وهي تقول: “لقد وجدت أدلة على أن مدن الفحم، التي رآها الناس على أنها في قلب أراضي الولايات المتحدة، كانت موجودة كمساحات شبه إمبراطورية، وأن الجيش الذي تم إحضاره لقمع تنظيمات عمال المناجم قد اكتسب خبرته في أماكن مثل الفلبين وهاواي والأراضي الحدودية بين الولايات المتحدة والمكسيك. لقد استفادوا من هذه التجارب لإخماد أي مقاومة في مناجم الفحم”. وقد ساعد سلوك عمال المناجم وماقاموا به من حركات تمرد في رفع المناقشة حول التكلفة البشرية لإنتاج الطاقة إلى مركز صنع القرار ووضع سياسات الطاقة لأول مرة، مما أكسبهم حقوقا وامتيازات.
أدت العلاقة المتوترة بين الإدارة المقيدة لقطاع الطاقة الأمريكي والسيطرة على العمال من خلال منظومات عدم المساواة المتبعة عالميا، لأن تناول الكتاب بعمق ثاقب دور عمال مناجم الفحم في تشكيل المبادئ الأساسية للعدالة فيما يتعلق بقطاعات الطاقة لتقدم فهما جديدا للمواطنة والمساواة المتعلقة بالطاقة يعتبر أكثر انتقادا اليوم للنقاشات الدائرة حول الانتقال للطاقة المستدامة.
من خلال دراسة نضالات عمال مناجم الفحم والحقوق التي قاتلوا من أجل تأمينها، من العصر التقدمي في ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى انتخاب الرئيس رونالد ريغان في عام 1980، تؤكد د. كاهلي على التناقضات الأساسية بين المناجم كبيئة حاضنة ومحرك للسياسة الديمقراطية، وأيضا كمصدر للعنف والقمع وتدمير البيئة. والنتيجة هي قضية راسخة وحجة قوية لإعادة النظر في إنتاج الطاقة من حيث تكلفتها مقارنة بفوائدها على البشرية، بدلا من مجرد التفكير في التكاليف والفوائد البيئية. وسواء تم استخدام المواد الخام للطاقة في داخل البلاد أو خارجها، يجب أن يُؤخذ العاملون في توليد الطاقة واستخراج مواردها في صميم السياسة المتعلقة بالطاقة.
“تبقى الرسالة من هذا التاريخ بالذات لها صدى كبير من الدروس المستفادة مع السعي الحثيث اليوم لإزالة الكربون من أنظمة الطاقة”، تنصح د. كاهلي، التي قرأت أثناء تأليف الكتاب أيضا في نفس الوقت إفادات ومذكرات عن النشاطات التي تقود صناعة الطاقة المتجددة مثل مناجم الكوبالت في الكونغو، ومناجم الليثيوم في أمريكا اللاتينية. وأكدت قائلة: “أرى هذه القصة نفسها تتكرر مجددا، ولكن لا يزال هناك وقت لإحداث فارق، فعلينا أن ندرك أن مصادر الطاقة المتجددة ليست بطبيعتها أكثر لمجرد أنها ليست وقودا أحفوريا. إزالة الكربون لا يمثل العدالة في مجال الطاقة إذا كنت تديم نفس أشكال الاستخراج وأساليبه وعدم المساواة العالمية “.
كما ناقشت الدكتورة كاهلي موضوعات العدالة العمالية، والمستقبل المستدام، وعملية إنهاء هيمنة اتجاه واحد على العلوم الإنسانية في مجال الطاقة في منطقة الخليج في حفل تدشين الكتاب الذي استضافه مركز الدراسات الدولية والإقليمية بالجامعة. أدارت زهرا بابار، مديرة المركز، الندوة في حوار مع القادة المشاركين لمبادرة أبحاث العلوم الإنسانية المتعلقة بالطاقة في مركز الدراسات الدولية والإقليمية، الدكتورة تريش كاهلي، والدكتور فرات أوروك، والدكتورة فيكتوريا غوغاسيان.
النقاط الرئيسية الثلاث للدكتور كاهلي من أجل مستقبل عادل للطاقة:
- سياسات الطاقة تتعلق بالاساس بالناس. الطاقة ليست مجرد مادة يجب أن تحكم، بل هي أيضا علاقة سياسية مع الأشخاص الذين يستخرجونها.
- يبقى الظلم العمالي والتدمير البيئي المرتبط بالتعدين والمناجم الاستخراجية موجودان منذ عمر طويل، ويمكن أن يقوض مطالبات الحكومات الطموحة بتطبيق الديمقراطية، وقدرة الناس على المشاركة فيها، حتى لو تلقوا مزايا مالية.
- لا يكفي التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق العدالة في مجال الطاقة على نطاق عالمي. عليك بناء نظام طاقة أفضل من أجل تحقيق العدالة البيئية.
نبذة عن الكاتبة:
الدكتورة تريش كاهلي مؤرخة للطاقة والعمل والسياسات. وهي أستاذ مساعد، وتشارك في قيادة برنامج العلوم الإنسانية للطاقة بجامعة جورجتاون في قطر، مع التركيز على النهج متعددة التخصصات للطاقة والمجتمع. وهي أيضا باحثة مشاركة في منحة مؤسسة ألفريد بي سلون لمدة عامين، “تشغيل اتصالات موثوقة: من الرؤى التاريخية إلى البحث التعاوني في أنظمة الطاقة الكهربائية”.