أستاذ بجورجتاون يضع الطموحات الفنية لمؤسسة قطر في سياقها التاريخي
في عالم يتسارع فيه إيقاع العولمة، يعمد المحللون والمراقبون إلى الإشارة إلى دور الاستثمارات الفنية الوطنية باعتبارها أدوات رئيسية للقوة الناعمة تحظى باهمية متزايدة على صعيد الدبلوماسية الثقافية. ولكن كما أشار الدكتور رضا بيربهاي، أستاذ التاريخ المشارك في جامعة جورجتاون في قطر في مقابلة له مع مؤسسة قطر حول معرض “سيروا في الأرض” للفنان الراحل مقبول فداء حسين، يظل الفن دائمًا عنصرا رئيسيا هاما للتقدم البشري، ويرتبط بشكل لا ينفصم مع كل من السياسة والتجارة.
كأكبر مشتر في سوق الفن العالمية، لطالما استحوذت قطر على اهتمام العناوين الرئيسية بسبب استثماراتها الضخمة في المتاحف والفنون الجميلة. وفي الآونة الأخيرة، جذب رفع الستار عن معرض “سيروا في الأرض”، وهو آخر منظومة فنية لذلك الفنان الهندي الشهير مقبول فداء حسين، الأضواء الاعلامية كمنجز فني رائع وإنجاز تاريخي كبير. وقد أقيم هذا المشهد الفني بتكليف من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر، قبل عامين تقريبا من وفاة الفنان الشهير في عام 2011 عن عمر يناهز 95 عامًا. وتطلب تجهيز المعرض ما يقرب من عشر سنوات لإحياء المخطط الفني الرئيسي الذي تركه الفنان قبيل رحيله عن عالمنا.
عن هذا الحدث الضخم يقول البروفيسور بيربهاي الذي يركز اهتمامه الأكاديمي على تاريخ منطقة جنوب آسيا والعالم، “عندما ننظر للتاريخ نجد أن الفن كان جزءًا من المعادلة الكلية للتقدم في أي حضارة”، وهو كذلك يهتم بدراسة الفكر الإسلامي والمؤسسات الإسلامية في جنوب آسيا، بما في ذلك ظواهر الاستعمار، والقومية والعرقيات، ويضيف بيربهاي:” يندر أن نجد حقبة زمنية قوامها العلوم الطبيعية فقط، سواء نظرنا إلى فترة حكم المغول للهند، أو لعصر النهضة في إيطاليا؛ والسبب وراء ذلك يعود إلى أن الإنسان اكتشف، عبر تاريخه الطويل، أن التطور الإنساني ينتعش عندما يتعايش الإبداع والابتكار، وحينها يكون الفن توأم العلم. فلم تكن النظرة التجزيئية بين حدود الفن والعلم التي نراها اليوم، سائدة في العصور السابقة وخير دليل على ما أقوله موجود اليوم في المتاحف والمعارض الفنية المنتشرة حول العالم”.
وأضاف البروفيسور قوله: “بالنسبة لهؤلاء، لم يكن الاعتزاز الذي ينبع من دعم مؤلف موسيقي أو امتلاك لوحة فنية جميلة بالنسبة لهم يقل عن الظفر بإنجازٍ سياسي، كانت الأمور بهذه البساطة بالنسبة لهم؛ وعليه سعوا جاهدين لإثراء حياتهم الشخصية وحياة من حولهم من خلال احتواء الفنانين والملحنين في زمانهم”.
أصبح حسين شخصية بارزة في عالم الفن الحديث، ومع تنظيم معرض “سيروا في الأرض” الذي يقدم نماذج قوية لتقدم البشرية على الأرض وفي الجو والبحر، يقول الدكتور بيربهاي: “إن مجرد إمكانية أن يشاهد أفراد الجمهور أعمال الفنانين العالميين مثل حسين، هذا مؤشر على أن مؤسسة قطر تتفانى في حرصها على تزويد سكان قطر، رغم أصولهم الثقافية المتنوعة، بلمحات فنية متعددة ذات صلة بالثقافات المختلفة، فقد عملت مؤسسة قطر على موازنة الاحتياجات النفسية والتقنية للمجتمع، وبهذا يمكن فهم وجود الجامعات المختصة بالهندسة والطب في المدينة التعليمية بجوار الجامعات التي تُدرّس الفنون والإعلام والاتصالات والثقافة، ونفهم ظاهرة وجود معارض فنية إلى جانب مختبرات بحثية في نفس المبنى.” وهي في الواقع واحدة من المحركات الواضحة لطموحات مؤسسة قطر.
يشيد المعرض، الذي يقام في مبنى دائم بالقرب من مركز الشقب للفروسية، داخل المدينة التعليمية، وسيكون مفتوحًا للجمهور اعتبارًا من منتصف يناير.