الدكتور دانيال لوسي يتحدث عن تفشي الفيروسات عالمياً

في 22 أبريل 2013، نظم مركز الدراسات الإقليمية والدولية المحاضرة الأخيرة ضمن سلسلة المحاضرات الشهرية للعام الدراسي 2012-2013 واستضافت خلالها دانيال لوسي، الأستاذ المساعد لعلم الأحياء الدقيقة والمناعة في المركز الطبي بجامعة جورجتاون والخبير العالمي في مجال تفشي الفيروسات. وركزت المحاضرة التي انعقدت بعنوان “السفر وتفشي الفيروسات في العالم 2003-2013″، على حالات سابقة لتفشي أمراض الجهاز التنفسي مثل السارس وH1N1، واحتمال أن يشهد المستقبل تفشي فيروس جديد تم اكتشافه مؤخرا في منطقة الشرق الأوسط.
وقد لوسي خلال المحاضرة بعض المعلومات الأساسية حول أوبئة فيروسات الكورونا موضحاً أنه تم اكتشاف مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) للمرة الأولى في جنوب شرق الصين في عام 2002، مشيراً إلى أنه “في النصف الأول من عام 2003، انتشر هذا المرض على نطاق واسع عبر تسعة وعشرين دولة في خمس قارات” ويرجع السبب الأكبر في انتشار إلى السفر الجوي. وقد كانت بداية انتشار الفيروس في المستشفيات حيث انتقل من المرضى المصابين به إلى أفراد الطاقم الطبي الذين الذين نقلوا العدوى إلى أفراد أسرهم. ويصل معدل الوفيات جراء هذا المرض إلى 10% حيث تم تسجيل 800 حالة وفاة من أصل ما يقارب 8000 شخص أصيبوا بهذا المرض. ونظرا لارتفاع نسبة الوفيات، تلقت الحكومة الصينية انتقادات شديدة لأسلوب تعاملها مع الوضع، ولكن، وفقا للوسي، لم يكن ممكناً التعامل مع المرض أو إيقافه بأفضل من ذلك ففي تلك الفترة كان المرض لا يزال جديداً وبدأ ينتشر بسرعة كبيرة.
وقد حددت منظمة الصحة العالمية مصطلح “حديث سريع الانتشار” للتعبير عن سرعة انتقال الفيروس إلى أشخاص متعددين في فترة قصيرة من الزمن. واليوم، وبعد مرور عقد على تفشي فيروس السارس، فإنه حتى الآن لم يتم تحديد السبب الذي يجعل شخصاً واحداً تطلق عليه صفة “ناشر سريع” ينقل الفيروس إلى أكثر من عشرة أشخاص، في حين أن معظم المصابين الآخرين لا ينقلون المرض لأي شخص آخر. وأضاف لوسي أنه “من بين 238 مصاباً بمرض السارس في سنغافورة، فإن أصل انتشار المرض يرجع في الأساس إلى خمسة أشخاص – تطلق عليهم صفة ’ناشرين سريعين‘ وفق ما جاء في إحدى منشورات منظمة الصحة العالمية.
ووجد الباحثون أن فيروس السارس ظهر في بادئ الأمر عند الخفافيش، قبل أن ينتقل إلى ناقل وسيط مثل القط الزباد الذي يستخدم لإعداد بعض الأطعمة المفضلة في عدد من مناطق الصين وفيتنام وهونغ كونغ، مما تسبب في انتقال الفيروس إلى البشر وبدأت عدوى المرض بالانتشار على نحو متسارع. وأوضح لوسي أنه التقديرات تشير إلى أن “الحيوانات شكلت المنشأ الأساسي لثلثي الأمراض المعدية الجديدة التي انتشرت بين البشر على مدى العقود القليلة الماضية”. وبعدها بدأ الفيروس بالتحول وأصبح قابلاً للانتقال عن طريق الهواء، مما أدى إلى تفشي المرض عالمياً.
وفي العام 2012 شهدت منطقة الشرق الأوسط ظهور فيروس جديد في الأردن، حيث انتشر في بداية الأمر بين أفراد الطاقم الطبي في إحدى المستشفيات لينتقل بعدها إلى أفراد أسرهم في نمط أشبه ما يكون بنمط تفشي فيروسات السارس وH1N1. وتم اكتشاف الفيروس لأول مرة لدى مريض في المملكة العربية السعودية، ثم جرى تشخيصه لدى عدد من المرضى في قطر والإمارات. وفي هذا الصدد، أضاف لوسي: “من حيث التسلسل الجيني، يشبه هذا الفيروس إلى حد بعيد الفيروسات التي تم اكتشافها لدى الخفافيش”، لكن لم يتم تأكيد هذه العلاقة حتى الآن. وتابع لوسي متسائلاً: “هل ما يجمع بين بين فيروس الشرق الأوسط المشخص حالياً، في عام 2013، وفيروس السارس الذي اكتشف عام 2002 هو أنهما فقط يسببان التهابات متفرقة وأنهما نادراً ما ينتقلان من شخص إلى شخص؟”.
وفي الختام، أكد لوسي على أنه نظراً “لعدم توفر علاج مضاد لفيروس السارس في ذلك الوقت أو فيروس الشرق الأوسط الذي تم اكتشافه العام الماضي” فمن المهم أن نكون يقظين لنحول دون انتشار هذا المرض. مما سبق، هناك درسين يمكن استخلاصهما من انتشار وباء السارس في عام 2002-2003 ويمكن تطبيقهما للحد من انتشار فيروس كورونا الشرق الأوسط في عام 2012-2013. الأول هو أن “تفشي أي مرض في المستشفيات يعد بمثابة إنذار مبكر” ويشير إلى ظهور فيروس معدٍ، وخاصة إذا قام العاملون في المجال الطبي بنقل العدوى إلى أفراد أسرهم خارج المنشأة الطبية. والثاني هو تفشي الفيروس دولياً بسبب السفر جواً واتصال شخص مصاب مع أشخاص آخرين في بلدان مختلفة. وتابع لوسي قائلاً: “قبل تفشيه على نطاق واسع، فإن ظهور أي فيروس جديد يكون محصوراً ضمن منطقة محددة، وكلما أسرعنا في اكتشافه، كلما كان ممكناً السيطرة عليه أو على الأقل التخفيف من آثاره الخطيرة – وهي خطيرة من حيث الصحة العامة للسكان وكذلك من حيث التأثير الاقتصادي الذي يمكن أن تسببه”.
دانيال لوسي حاصل شهادة الدكتوراه في الطب مع ماجستير في الصحة العامة وقد أتم تدريبه في مجال الأمراض المعدية والصحة العامة في كلية الصحة العامة ومستشفيات جامعة هارفارد. وعمل سابقاً كطبيب استشاري لدى معاهد الصحة الوطنية في دائرة الصحة العامة الأمريكية. وخلال فترة تفشي فيروس السارس في عام 2003، سافر لوسي إلى آسيا حيث عمل في “مستشفى سارس” في كندا لاكتساب الخبرة المباشرة حول هذا المرض الفيروسي الجديد. كما سافر في الفترة من 2004-2012 إلى آسيا ومصر في محاولة لتكوين فهم أشمل لفيروسات إنفلونزا الطيور.
المقال بقلم: سوزي ميرغني، مدير ومحرر منشورات مركز الدراسات الدولية والإقليمية.