جامعة جورجتاون-قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي يرعيان ندوة حول الترجمة وانتقال المعرفة، واقع اللغة العربية
بالتعاون مع جائزة الشيخ حمد الدولية للترجمة والتفاهم الدولي، استضافت جامعة جورجتاون في قطر ظهر الأحد 27 أكتوبر ندوة علميّة استضافت عددًا من الأكاديميين المرموقين المتمرسين بمجال الترجمة في حقول اللغويات وترجمة الأعمال الفكرية والترجمة الفورية، وحضرها عدد كبير من المهتمين بهذا المجال.
وبعد كلمة ترحيب من عميد جامعة جورجتاون في قطر الدكتور أحمد دلاّل، ركز فيها على أهمية الترجمة كوسيلة لتجسير الفجوات بين الثقافات باعتبارها من أصدق المؤشرات على نهضة الأمم وتقدمها، أشار الدكتور دلاّل إلى الدور المحوري الذي تقوم به جائزة الشيخ حمد الدولية بتكريم المترجمين المتميزين الاكفاء، وتشجيع الإبداع الفكري الجاد والاحتفاء بالتنوع الثقافي، وقال: “مما لاشك فيه أن الترجمة تعد الجسر الذي يربط بين الثقافات المختلفة، مع الحفاظ على الهوية والخصوصية لكل ثقافة، وتبقى كذلك رغم تعاقب الريادة في هذا المجال على عدد من الأمم على مدار التاريخ، وعدد من اللغات، ومن بين هذه اللغات كانت اللغة العربية، التي ظلت لوقت طويل نبعًا فيّاضًا للعلوم والمعارف.” وأشار الدكتور دلال الى الأهمية التي توليها جامعة جورجتاون في قطر لتأهيل طلابها، الذين وإن لم تكن الترجمة مهنتهم وحرفتهم، إلا أنهم يمتلكون قدرات لغوية تساهم دراستهم بتطويرها والارتقاء بمستواها، ومن بينها العربية غالبًا، وهؤلاء سيمتلكون الأدوات والقدرات على المشاركة في إنتاج المعرفة؛ ليساهموا في هذا الدور الذي تؤديه الترجمة في نقل المعرفة
واستنباتها في بيئات جديدة
بعد ذلك تحدثت الدكتورة حنان الفياض، المستشارة الإعلامية
لجائزة الشيخ حمد الدولية للترجمة والتفاهم الدولي فتناولت دور الترجمة كوسيلة لتفتيت الصراعات وإزالة الجهل بالأطراف الأخرى المتفاعلة في هذا العالم، وتناولت التعريف بتفاصيل الجائزة السنوية واللغات محل المنافسة، وتصنيفاتها وقيمتها المادية ومعايير التحكيم واختيار الأعمال الفائزة تبعًا لدقة الترجمة وأسلوبها فضلاً عن قيمة العمل المترجم.
أدار الندوة الأستاذ الدكتور محمود العشيري، مدير برنامج اللغة
العربية وثقافتها بجامعة جورجتاون في قطر. وفي مداخلة بعنوان: “المصطلح اللساني ورهانات التواصل العلمي: مقدمات أولى” تحدث د. مبارك حنون أستاذ اللسانيات بجامعة قطر قائلا: “من الثابت أن المصطلح عبارة عن لغة “مهنية” أو لغة “متخصصة” إذا تخللتها أعطاب على مستوى المفهوم والبناء الصرفي والتركيب فسد التواصل وفشل.، لأن توصيل المعرفة العلمية يشترط سلامة المصطلح. وقد أثبتت الدراسات أن لغة التخصص تشكل ثمانين بالمئة من النص العلمي. فإذا كانت بهذه اللغة أعطاب تتصل بصناعة المصطلح، فإن التواصل العلمي لا يتحقق. غير أن هذا لا يعني أن المشكل مشكل تقني فحسب، وهو كائن. بل هناك عوامل موضوعية وذاتية تتمثل في الخيارات والسياسات التي اتبعتها وتتبعها البلدان العربية في مجال التعليم والبحث، وعن انعكاسات التأخر الاجتماعي والحضاري والمعرفي، والفوات التاريخي، وتجنب العمل الممأسس، وملابسات بناء الدولة المستقلة، والاستيعاب الهش للنظريات والمناهج اللسانية، والتأهيل الضعيف للغة العربية في مجال صناعة المصطلح”.
وكذلك تحدّث د. علاء الجبالي، مدير مركز اللغات في معهد الدوحة للدراسات العليا، عن مجال الترجمة الفورية وأهميته في التواصل على مستويات متعددة، منها المعرفية والسياسية. واعتمد الجبالي في مداخلته مقاربة عملية تستقي من خبرته الطويلة في مضمار الترجمة الفورية. ولفت بدايةً إلى مصطلح “الترجمة الفورية” مقابل ما يستخدم في لغات أخرى، مثل الانجليزية Interpretation وهو ما يفيد بشكل أدقّ المساحة التفسيرية والتأولية للمترجم. ثم استعرض سلسلة العمليات الذهنية التي يمرّ بها المترجم الفوري ومجموع القرارات التي عليه أن يقوم بها خلال عملية الترجمة وما تحمله من تحديات، منها ظروف عمل المترجم الفوري وأدواته وعامل الوقت والسياق الثقافي. كما أشار إلى بعض الفروقات بين عمل المترجم التحريري وعمل المترجم الفوري، منها على سبيل المثال أنّ للأول حضورًا واضحًا بالاسم في العمل المترجم أمّا الآخر فهو بمثابة الحاضر الغائب. وختم بأمثلة من الحالات التاريخية حيث كان دور الترجمة الفورية مفصليًا للسياق، ومنها مفاوضات السلام في الشرق الأوسط والخطابات السياسية لرؤساء الدول. وشكر الجبالي جامعة جورجتاون على تنظيم الفعالية وجائزة حمد للترجمة على دعم حقل الترجمة كما أشاد بدور معهد دراسات الترجمة في جامعة حمد بن خليفة في تعزيز هذا المجال.
وفي مداخلته حول “بعض إشكاليات ترجمة الأعمال الفكرية” تناول الدكتور عمرو عثمان، أستاذ التاريخ الإسلامي في قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، إشكالية ترجمة الجمل الطويلة والمركبة التي تكثر في الأعمال الفكرية، موضحًا أن عملية تفكيك هذه الجمل قد يتضمن قدرًا كبيرًا من تدخل المترجم في إعادة تركيب الأفكار بشكل قد لا يتوافق بالضرورة مع النص الأصلي. تناول الدكتور عثمان كذلك بعض الأفعال التي تتكرر كثيرا في الأعمال الفكرية مثل الفعل argue في اللغة الإنجليزية والاسم منه، أي argument، مناقشًا البدائل المختلفة المتاحة للمترجم ومزايا وعيوب كل بديل منها. كما تحدث الدكتور عثمان عن ضرورة إلمام القارئ المهتم بالفكر والثقافة في عالم الإنترنت اليوم باللغة الإنجليزية، ذلك أنها تمكنه من الاستزادة – إذا اقتضت الحاجة – في ما يخص معاني بعض المصطلحات والمفاهيم وتاريخها. وأخيرًا، تحدث الدكتور عثمان عن نقل أعمال فكرية من لغة أجنبية كالإنجليزية إلى اللغة العربية، هذه الأعمال تقوم هي نفسها على مصادر عربية، وكيف ينبغي للمترجم التعامل مع هذا الأمر.
كما تحدثت الدكتورة امتنان الصمادي من جامعة قطر وعضو اللجنة الإعلامية للجائزة عن الدعم المؤسسي للترجمة بوصفها نشاطًا فكريًّا هامًا، وكيف أنها القاطرة التي تقود التنمية، واستعرضت دور المؤسسات الثقافية والسياسية عبر التاريخ في دعمها للترجمة؛ مما أسهم في ربط العالم العربي بثقافات الآخرين ودفع بحركة الازدهار إلى الاستمرار، واستعرضت أنماط الجوائز العربية المخصصة للترجمة، وبينت فرادة جائزة الشيخ حمد من حيث كونها أماطت اللثام عن فكرة سيادة اللغة، وفتحت المجال لكل اللغات التي تعد لغة حاضنة لفكر شعوبها حضارتهم ، وبينت الدكتورة الصمادي أهمية هذا التعاون بين الجائزة والجامعة في ربط جهود المؤسسات العلمية والثقافية في الدوحة.