جلادويل: حل أزمة الماء يحتاج إلى قرارات جريئة وعاجلة لإحداث التغيير
اتفق المشاركون اليوم في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “استدامة الواحة: تصوّر مستقبل الأمن المائي في الخليج” – الذي تنظمه جامعة جورجتاون في قطر لأول مرة بالتعاون مع معهد مشاعات الأرض التابع لجامعة جورجتاون في واشنطن العاصمة – على أن التهديدات التي تحدق بالأمن المائي بسبب تغير المناخ، وارتفاع استهلاك المياه، تتطلب من دول العالم التعاون وتكاتف الجهود واتخاذ التدابير الجريئة والعاجلة على غرار الجهود التي بذلها العالم لمكافحة الأمراض وإطلاق الثورة الرقمية.
وقد شدد الصحافي والمفكر العالمي مالكولم جلادويل في كلمته الافتتاحية في المؤتمر على أن التدابير الجريئة والعاجلة التي أدت إلى اكتشاف علاج سرطان الدم لدى الأطفال وثورة الحاسوب الشخصي نموذج يحتذى به في تعاملنا مع ظاهرة تغير المناخ وملف الأمن المائي. وجدير بالذكر أن غلادويل مؤلف لستة من أكثر الكتب مبيعًا وفقا لتقديرات جريدة نيويورك تايمز منها “نقطة التحول The Tipping Point”، وطرفة عين Blink، والمتميزون Outliers وصنفته مجلة “تايمز” في قائمتها لأهم 100 شخصية مؤثرة وواحد من أفضل المفكرين العالميين في مجال السياسة الخارجية.
ي.
قال مالكوم جلادويل واصفا العلماء الرواد في اختراع العلاج الكيميائيرغم أن زملائه أنهم يأخذون مخاطرات كثيرة “من بين الاخطاء التي نرتكبها أننا نتناول كل مشكلة نتعرض لها كأنها مشكلة عادية, ونفترض أنها ليست عاجلة أو معقدة”
وقال جلادويل في حديثه عن العالم الذي ابتكر العلاج الكيميائي “من الأخطاء التي نقع فيها هو التعامل مع أي مشكلة نواجهها على أنها أمرٌ عادي، ونعتقد بأن الأمر ليس من الضروري أن يكون عاجلاً أو مزعجًا. فقد اعتقد العلماء الذين كانوا يدرسون سرطان الدم في الستينيات أنه مرض عادي، وأنه ليس من الضروري أن يكونوا في عجلة من أمرهم أو يتجاهلوا وجهات نظر أقرانهم وآرائهم”، موضحًا أن التاريخ يعيد نفسه في تعاملنا مع الأزمات البيئية في عصرنا الحالي.
حل الأزمات المناخية يتطلب تفكيرا جديدا
وتابع: “عندما نعلم بأنه تمت إزالة 20% من غابات الأمازون، فإننا نعتقد أن لدينا الكثير من الوقت وأن الأمر لا يزال في مراحله الأولى. ولكن عندما نعلم أنه هذه الغابات تنهار عند إزالة 40% منها، ندرك حينها أنه ليس أمامنا الكثير من الوقت على الإطلاق. الكثير من الناس ينكرون ظاهرة تغير المناخ لأنهم غير مستعدين بعد لقبول هذا النوع من المصير غير البديهي”.
يؤكد جلادويل أن نقطة التحول أو اللاعودة لا تتفق مع المنطق العام للتفكير. وقال: “نحن قريبون بشكل خطير من نقطة اللاعودة في جهود تجريف غابات الأمازون وإزالتها، حيث تتغير المنظومة البيئية في الأمازون بسرعة كبيرة من غابات مطيرة إلى نوع من السافانا منذرة بعواقب وخيمة ومدمرة على الكوكب بأكمله. إنها ليست مشكلة عادية، بل شيء سيتغير بين عشية وضحاها ولا يمكننا التعامل معه بطريقة تفكير تقليدية إذا كنا نرغب في الحصول على أي من النتائج الإيجابية”.
وبعد الكلمة الافتتاحية، أدار الدكتور صفوان المصري، عميد جامعة جورجتاون في قطر، حوارًا مع جلادويل، حيث قال: “لم يكن ملف الأمن المائي مضمونًا أبدًا. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص على مستوى العالم محروم من الحصول على مياهٍ صالحة للشرب”، ووافقه جلادويل في ذلك، قائلًا: “إن استمرار الشكوك حول بعض هذه القضايا يشير إلى وجود شيء خاطئ في الطريقة التي نطرح بها هذه القضايا على الجمهور وكذلك صناع السياسات لدينا… قد نحتاج إلى التفكير بعمقٍ أكبر في السياق الذي نقوم فيه بتثقيف الناس”.
يشارك في المؤتمر أكاديميون وباحثون ومتحدثون متخصصون في نقاشٍ حول القضايا المتعلّقة بمجالي الأمن المائي والاستدامة، منها إدارة المياه ودورها في ضمان استقرار المنطقة في ظل تغير المناخ، واستكشفوا الرؤى الشاملة لمستقبل الأمن المائي، كما استمعوا إلى آراء الخبراء فيما يخص كيفية زيادة الوعي حول التحديات والحلول. ومن المقرر أن يتم رفع النتائج رفيعة المستوى الصادرة عن المؤتمر إلى رئاسة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر تغير المناخ لإثراء المناقشات والمفاوضات حول المياه.
حلول المشكلات المائية المتعلقة بالمنطقة
وتعتبر المناقشات البارزة المتعلّقة بالمنطقة مساهمة فريدة للمؤتمر، وفي هذا السياق ذكرت الدكتورة رها حكيم داور، المشاركة في تنظيم المؤتمر، وتشغل أيضا منصب مستشار أول لعميد جامعة جورجتاون في قطر وعميد معهد مشاعات الأرض، في كلمتها التي ألقتها خلال الجلسة الافتتاحية أمثلة للحلول التقليدية المبتكرة والقائمة على الطبيعة التي ساهمت في تحقيق تغييرات جذرية.
وقالت: “تولي منطقة الخليج اهتمامًا كبيرًا لدور المياه على مر التاريخ. لقد كنا نتفاوض مع الطبيعة ونساومها منذ قرون. لكن المنطقة تواجه اليوم الكثير من التحديات الجديدة. إن منطقة الخليج حساسة بشكل خاص للتحديات التي يفرضها الأمن المائي في مواجهة كوكب متغير. وتقع ستة من البلدان العشرة الأكثر معاناة من ندرة المياه في هذه المنطقة. وتتطلب مواجهة هذا التحدي اتباع نهج متعدد التخصصات وتعاوني، نهج يربط العلوم والتكنولوجيا والابتكار المتطور بالتدابير السياسية والحوكمة المستدامة.”
أهمية التعليم
إلى ذلك، أكد العميد بيتر مارا، رئيس معهد مشاعات الأرض، على أهمية القوة المؤثرة للتعليم في إحداث التغيير، والحاجة إلى إنشاء تخصصات أكاديمية وعلمية متعددة ومتقاربة، وتعليم تجريبي، وإتاحة فرص تعليمية قائمة على البحوث،
قائلًا: “ذلك ما نقوم به في معهد مشاعات الأرض عبر الدورات والبرامج البحثية والدرجات العلمية، ولكن أيضًا بشكل غير رسمي في مؤتمرات وندوات ونقاشات مثل مؤتمر “استدامة الواحة”، حيث يلتقي العديد من الخبراء والمتخصصين معًا في مكانٍ واحد للحوار والنقاش حول قضايا مهمة. فنحن لا نقوم بذلك عبر المدارس والمناهج الأكاديمية فحسب، بل عبر الجامعات كذلك وهذا أمر فعّال للغاية.”
يُذكر أن المؤتمر مفتوح لحضور الجمهور وتستمرّ أعماله حتى يوم 12 نوفمبر. ويحتوي برنامج المؤتمر في اليوم الثاني مناقشات رفيعة المستوى حول جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) والجلسات التي تركز على المياه، و”العلاقة بين المياه والغذاء: الجغرافيا السياسية للأمن الغذائي في الخليج”، و”دور دول الخليج في تعريف الأمن المائي العالمي”، بالإضافة إلى حلقات نقاشية لموضوعات محورية وقضايا مهمة.