“كل صوت مهم:” إعادة كتابة التاريخ مع رؤى من عمق العمل الميداني للبروفيسور شاندرا

عندما تخرج الأستاذ في جامعة جورجتاون في قطر عدي شاندرا بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية جرينيل في ولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية، لم يتخيل أبدا أن طريقه ليصبح أستاذا سيقود إلى أعماق غابات “جهارخاند” بالهند للعيش بين المجتمعات القبلية. وقد توج هذه الرحلة غير المتوقعة بكتابه الأول “ المقاومة كمفاوضات: تشكيل الدول والقبائل على هامش الهند الحديثة“، وهو عمل يتحدى المفاهيم التقليدية للمقاومة وسلطة الدولة.

عن هذه التجربة يقول الأستاذ تشاندرا: “كنت أدرك جيدا أن دراسة الاقتصاد كان اختيارا لتخصص حيوي ومهم، لكن اهتمامي كان يكمن في فهم السياسة والمجتمع باستخدام مجموعة واسعة من الأساليب والسبل”. وقد دفعه هذا الإدراك نحو الحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ييل، حيث بدأ فضوله حول ديناميكيات القوة والمقاومة يتبلور.

ركزت أطروحة البروفيسور شاندرا لنيل درجة الدكتوراه، التي فازت بجائزة ساردار باتيل المرموقة، على تتبع كيف أن تطور مفهوم “القبيلة” تزامن مع عمليات تكوين الدولة الحديثة في جنوب آسيا وخارجها، وعن هذا يقول:

“ظهر تخصصي بشكل عفوي إلى حد ما، فقد ذهبت إلى المناطق الريفية في شرق الهند لدراسة الشباب في الحركة الماوية المتنامية في وقت وصف فيه رئيس الوزراء الهندي الماويين بأنهم أكبر تهديد للأمن الداخلي منذ الاستقلال. أردت أن أفهم لماذا حمل الشباب من المجتمعات الريفية المهمشة السلاح ضد الحكومة”. وقد قاده هذا البحث المدفوع بالمشاكل إلى الخوض في تاريخ مجتمعات الغابات وتفاعلاتها مع الدول الاستعمارية وما بعد الاستعمارية على مدى القرنين الماضيين.

يعيد كتاب البروفيسور شاندرا،” المقاومة كتفاوض، تعريف المقاومة على أنها التفاوض مع السلطة بدلا من مجرد المعارضة. ويشرح قائلا: “بدلا من وجهة النظر الثنائية للمشهد بين المؤثرين أصحاب السلطة ومن هم خارجها، أقترح أن نرى المقاومة كنضالات يتفاوض فيها الضعفاء مع الأقوياء، وينتزعون التنازلات”. تكشف أبحاثه التي استمرت خمسة عشر عاما كيف شكلت الولايات الهندية الحديثة ورعاياها القبليون بعضهم البعض باستمرار من خلال هذه المفاوضات على مدى القرنين الماضيين.

أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في أبحاث البروفيسور شاندرا هو استكشافه ل “القبلية” وأهميتها المعاصرة. ففي حوالي عام 2016، لاحظ مصطلحات القبائل والقبلية المستخدمة لوصف الدعم المستقطب لعدد من مختلف القادة الشعبويين، وعن هذا الأمر يقول: “كباحث من الجنوب العالمي، كان الأمر مذهلا لأن هذه المصطلحات ارتبطت منذ فترة طويلة بالاستعمار”، يوضح كتاب البروفيسور شاندرا كيف أن مفهوم القبلية، الذي كان يستخدم في المقام الأول لوصف مجتمعات السكان الأصليين بأنها بدائية، قد عاد للظهور في الخطاب السياسي الغربي، حيث يقول: “إن عودة القبلية إلى قلب المناقشات حول مستقبل الديمقراطيات الغربية يعتبر أمرا مذهلا بالنسبة لي”.

الدعم المقدم من جامعة جورجتاون في قطر

يذكر أنه منذ انضمامه إلى جامعة جورجتاون في قطر في عام 2015، استفاد البروفيسور شاندرا من بيئة أكاديمية داعمة كان لها دور فعال في تشكيل عمله. كما شكلت ورشة العمل التي استضافتها جامعة جورجتاون في قطر عام 2016 نقطة تحول حاسمة في بحثه، حيث جمعت علماء من جميع أنحاء العالم لنقد ما قدمه من أبحاث بل وصقله وتهذيبه، وعن هذا يقول: “أنا مدين لهم ولمركز الدراسات الدولية والإقليمية لأنهم جعلوا هذا الأمر ممكنا”.

وفي حفل تدشين كتاب أقيم في جامعة جورجتاون في قطر، أتيحت له الفرصة لمشاركة عمله مع المجتمع في مناقشة مع زميلته في جامعة جورجتاون في قطر البروفيسورة رقية أبو شرف، والأستاذ المساعد في جامعة حمد بن خليفة الزرقاء برفيز (دفعة 2013)، والأستاذ المساعد المقيم في جامعة جورجتاون ويسترن في قطر، حسن محمود. قال البروفيسور محمود: “عندما أقرأ هذا الكتاب قرأته تقريبا مثل رواية، وهو أمر جيد” ، مشيدا بأسلوب الكتاب وطريقة التناول، مضيفا “لقد حاول قدر الإمكان التقليل من وجهة نظره وإعطاء الأولوية لمنظور الأشخاص الذين درسهم … وهذا يسمح لنا بتفسير الواقع التاريخي في تلك المجتمعات من حيث فهمنا الخاص”.

تجسد رحلة البروفيسور شاندرا من طالب اقتصاد إلى أستاذ علوم سياسية القوة الكامنة لسياسة الاستماع وقدرتها على تحويل الاتجاهات والآراء، وتقدم طرقا جديدة لفهم العالم. مع استمراره في توسيع نطاق حدود الأنثروبولوجيا السياسية، تبشر مساهماته بإلهام العلماء والباحثين والممارسين على حد سواء برؤى إنسانية دقيقة وعميقة في تعقيدات تشكيل الدولة والمقاومة.