معاييرعلمية جديدة لإرشاد القائمين على وضع مناهج تعليم اللغة العربية للأطفال تعتمد على ما يشاهده الطفل العربي في قنوات الأطفال في سن مبكرة من تكوينه
أمضى فريق من الباحثين المرموقين نحو أربع سنوات في إعداد معجم متخصص يهدف لتحديد أكثر الكلمات العربية شيوعا بين الأطفال فيما بين الرابعة والتاسعة من العمر، والقاء الضوء على سياقات استخدامها بالأمثلة كما وردت في البرامج الناطقة بالفصحى، بناء على ما يشاهدونه من مواد درامية على قنوات الأطفال.
العمل البحثي الذي قام به الدكتور محمود العشيري، أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة جورجتاون في قطر، يعاونه فيه د. عبد العاطي هواري- جامعة جورج واشنطن وأ. محمد البدرشيني- جامعة كولومبيا، يتناول بالتحليل 3000 كلمة موثقة ومرتبة حسب درجة شيوعها وتكراراها، ومصنفة أيضا حسب جذر الكلمة.
وعن الحافز وراء إنجاز هذا العمل العملاق يقول د. محمود العشيري: “دفعتنا الملاحظة العابرة من وجود لغة فصيحة على ألسنة أطفالنا ممن يتابعون الفضائيات العربية، وأيضًا قدرتهم، عادة، على استخدامها استخدامًا صحيحًا، وتساءلنا، ألا يمكننا الانطلاق من هذه اللغة الفصيحة التي اكتسبوها بالفعل للبناء عليها في تعليمهم العربية والقراءة بها والتوسع في اكتسابها. بدلًا من الانطلاق من نقطة الصفر، حسبما يوجد في أذهان المعلمين وواضعي المناهج، ولكن في الوقت نفسه ليس لدينا تصور علمي حول طبيعة هذه اللغة أو حدود مفرداتها، ولا الشائع منها لنتمكن من أن نبني عليه، ومن هنا جاء هذا المشروع البحثي.”
يشير د. العشيري إلى أنه قد تم استخلاص هذه الحصيلة مع معلوماتها المعجمية من مدونة محوسبة تبلغ كلماتها مليون وربع المليون كلمة. جمع فريق العمل مادة المدونة من برامج الأطفال الدرامية الموجهة لتلك الفئة العمرية لتشمل المرحلة الأولى من التعليم الابتدائي؛ حيث تمثل هذه الحصيلة اللغوية المكتسبة لدى الأطفال العرب حجر الأساس الذي يمكن البناء عليه من قبل واضعي المناهج التعليمية لتلاميذ المدراس عند مراحلهم الأولى من الالتحاق بالمدرسة بدلًا من الاعتماد فقط على حدس واضعي المناهج وتقديرهم، كما أنها ستوفر معايير إرشادية للمعلمين ليحققوا نتائج أفضل وحتى لايبخسوا الطفل لغته الفصحى، فضلًا عن أنها تمثل رصيدًا قيما لكُتّاب أدب الطفل، بشتى أنواعه، من القصص إلى الشعر والأناشيد إلى الكتاب العلمية، بالإضافة إلى المعنيين بتقديم مختصرات الكتب والقصص للأطفال أو مسرحة المناهج التعليمية.
اعتمدت الدراسة على قرابة ألفي تسجيل لبرامج الأطفال مسجلة من ثمان قنوات عربية تبث بالفصحى من خمس دول عربية مختلفة، تم تسجيلها في وقت واحد، وعلى مدار 24 ساعة ولمدة أسبوعين كاملين، ثم قام فريق متخصص بتفريغها كتابيًّا وتحليل النصوص واستخراج الكلمات الأكثر تكرارًا حسبما وردت في البحث.
وليس من قبيل المصادفة أن الباحثين الثلاثة يشكلون فريقا يكمل كل منهم الآخر، فهناك من هو متخصص في النقد الأدبي وتعليم اللغة وهناك من هو متخصص في المعجمية العربية واللسانيات الحاسوبية وأيضًا من هو متخصص بمجال هندسة اللغة العربية واللغات الطبيعية، وجميعهم ينتمون إلى مؤسسات عالمية مرموقة، وهو مايجعل هذا النموذج البحثي متميزًا بين الأبحاث المماثلة رغم ندرتها.
ويذكر أن البحوث أثبتت أن سرعة الاستجابة للكلمات الشائعة المتواترة والتعرف عليها تبلغ حوالي خمسة أضعاف سرعة التعرف على المفردات غير المتواترة، وأن أعلى 5000 كلمة تواترًا في لغة من اللغات تغطي حوالي 89% من معظم نصوص تلك اللغة؛ وبالتالي فتعلم هذه المفردات يمثل مفتاحًا مهمًا إلى تعلم اللغة وقراءة نصوصها، وهو ما يبرز أهمية هذا العمل البحثي في مجال تعليم العربية للأطفال.
يتمنى د.العشيري أن تقدر المؤسسات السياسية والإعلامية وأصحاب القرار في العالم العربي أهمية إنتاج برامج للطفل بالعربية الفصيحة، وجعلها متاحة للطفل العربي مجانًا، وهو ضرورة ملحّة أيضًا للأجيال ذات الأصول العربية الناشئة بعيدًا عن العالم العربي، التي تتزايد أعدادها في ظل الهجرات الأخيرة لملايين الأطفال بعيدًا عن العالم العربي بسبب الظروف السياسة.
هذا العمل مكون من مجلدين يتجاوز عدد صفحاته 900 صفحة وهو من إصدار دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع.