محاضرة في جامعة جورجتاون قطر تحلل المخلفات السياسية لخطاب تنظيم داعش
شارك الدكتور فيصل ديفجي، مدير مركز الدراسات الآسيوية في كلية سانت أنتوني بجامعة أوكسفورد، في محاضرة عامة عُقدت مؤخراً في جامعة جورجتاون قطر. وطرح الدكتور ديفجي خلال المحاضرة تساؤلاً تمحور حول الممارسات الوحشية لتنظيم داعش ، مشيراً إلى أن هذا الأخير لا يستمد هذه الوحشية من مزاعمه السياسية بل على العكس تماماً، أي أن التنظيم غير قادر أيديولوجياً على تكوين هوية سياسية خاصة به.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها بعنوان ” المخلفات السياسية لخطاب تنظيم داعش”، والتي ركز المحاضر خلالها على الجذور التاريخية والأيديولوجية لتنظيم داعش، واستعرض كيف أن هناك علاقة وطيدة بين رفض فكرة الدولة والاستقلال السياسي وتصاعد السلوكيات الوحشية والعنيفة التي يمارسها التنظيم.
وأشار الدكتور ديفجي إلى أنه في صميم أيديولوجية تنظيم داعش، هناك محاولة للاستغناء عن الحاجة إلى مفهوم الدولة الرسمي على الرغم من مزاعم التنظيم بالتزامه بدولة الخلافة. وقال حول هذا الأمر: “لطالما انتقد الإسلاميون تاريخياً فكرة الدولة الحديثة، سواء أكانت متمثلة بدولة ديمقراطية أم ديكتاتورية. ويكمن السبب باعتقادهم في أن سلطة البشر لا يمكنها أن تتمتع بسيادة حقيقية لأن الخالق وحده هو من يملك السلطة الشرعية المطلقة التي يتطلبها مفهوم السيادة القانوني”.
وأضاف: “لهذا السبب بادر الإسلاميون إلى تقييد مفهوم السيادة بالخالق وحده وجعل الحكومة مطبِّقة للأوامر الإلهية وحسب، وهذا الأسلوب لإدارة المجتمعات يكون فيه الإنسان محكوماً بالقوانين الدينية المقدسة عوضاً عن أن يحكمه بشر آخرون”.
ونوّه الدكتور ديفجي إلى أن مزاعم التنظيم السياسية “تتعارض مع الكثير من أقواله وممارساته على أرض الواقع”. وقد حلل ديفجي مكوّنات الفيديوهات الدعائية لعمليات الإعدام التي نفذها التنظيم، كما أشار إلى ممارسات العنف الصارخة التي منحها التنظيم صبغة شرعية، حيث قال في هذا الصدد: “إن الشعبية الكبيرة التي يسعى إليها تنظيم داعش تتم دوماً تحت غطاء التمسح بالشريعة كما هو الحال بالنسبة إلى جميع ممارساته مهما بلغت درجة غرابتها أو بشاعتها، إذ يلجأ التنظيم إلى تبرير هذه الأفعال وتمجيدها مستخدماً النصوص الدينية لصالحه”. وعلق ديفجي بأن حاجة التنظيم إلى استعراض ممارسات العنف والقتل أمام الناس “لا ترتبط فقط بمتطلباته الدعائية والبروباغاندية بل تتعلق أيضاً بنشر الخوف والسطوة بين أوساطهم”.
ونظراً إلى أن تنظيم داعش ينزع بشدة نحو الاستبداد الداخلي، وهو الأمر الذي يتمثل في المطالبة المتنامية بالسلطة أو بالسيادة، فإن هذا التنظيم يلجأ دوماً إلى استعراض وحشيته لكي يراها الجميع. واختتم الدكتور ديفجي محاضرته قائلاً: “إن سعي التنظيم المستمر إلى ترسيخ هذه الرغبة المشبوهة هي التي تبيّن دوافع النزعة المسلحة لتنظيم داعش، الأمر الذي يجعل الصراع بين رغبات التنظيم السياسية ونشر نفوذه بين الناس الحافز الأساسي لحركته”.
وكان الدكتور ديفجي قد شارك أيضاً في ندوة حوارية جرت في حرم الجامعة بعنوان “الحميمية والمصالح والعنف في الفكر السياسي الهندي”، حيث انضم إليه في هذه الندوة كل من رضا بيربهاي، الأستاذ المشارك في جامعة جورجتاون قطر والمتخصص في الدراسات الجنوب آسيوية والتاريخ العالمي، وأوداي شاندرا، الأستاذ المساعد للشؤون الحكومية في جورجتاون قطر.
يذكر أن الدكتور فيصل ديفجي يشغل حالياً منصب زميل في معهد المعارف العامة في جامعة نيويورك ورئيس قسم ييفيس أوترامان في معهد الدراسات العليا في جنيف. وقد ألّف الدكتور ديفجي أربعة كتب هي “الصهيونية في شكلها المسلم: باكستان باعتبارها فكرة سياسية” (صدر في العام 2013)، وكتاب “الهند المستحيلة: غاندي وإغراءات العنف” (صدر في 2012)، وكتاب “الإرهابي باحثاً عن الإنسانية: الإسلام المسلح والسياسة العالمية” (صدر في 2009)، وكتاب “المشهد الجهادي: التسلح والأخلاق والحداثة” (صدر في 2005).