باحثون يناقشون اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية
استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتان، مساء الثلاثاء 17 يونيو 2008، محاضرة عن تأثير اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية على الدول المعنية. ناقشت المحاضرة النتائج التي توصل إليها البحث الذي أجراه جون ميرشايمر وستيفن والت، وصدر مؤخرا في شكل كتاب بعنوان “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية”.
نٌشر الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007، وكان بلورة لمقالة نشرها المؤلفان عام 2006 في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس.
سعى المؤلفان من خلال هذه الدراسة إلى الإجابة على تساؤلات تتعلق بما إذا كانت السياسات التي تنافح عنها الولايات المتحدة الأمريكية، نيابة عن اللوبي الإسرائيلي أو دولة إسرائيل، تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أومنطقة الشرق الأوسط أو حتى إسرائيل ذاتها. أكد والت، أستاذ العلاقات الدولية في كلية جون كينيدي للدراسات السياسية، جامعة هارفارد، أن هذه القضية لا بد أن تٌطرح للنقاش العلني والصريح، وألا يتم موارتها تحت ستار الاتهامات بمعاداة السامية، كما بادر بالتأكيد على رفض كلا الباحثين لكافة نظريات المؤامرة التي تروج لها الحركة الصهيونية.
أوضح المؤلف أيضا أن هذه العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تنتج عن التأثير السياسي للوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، وعرض لثلاثة مبررات لهذه العلاقة، ليقوم بعد ذلك بتفنيدها جميعا. تكمن المبررات الثلاثة في أن إسرائيل تمثل رصيدا استراتيجيا حيويا للولايات المتحدة ونموذجا للديمقراطية الأمريكية، فضلا عن التأييد القوي الذي تحظى به من الشعب الأمريكي.
كما بيًن والت أن اللوبي الإسرائيلي – شأنه في ذلك شأن سائر جماعات المصالح – يؤثر جذريا في صنع السياسات الأمريكية، وأوضح طريقة عمل هذه اللوبيات، ومدى فعالية اللوبي الإسرائيلي تحديدا في العمل باتجاه تحقيق أهدافه السياسية. أكد والت أن هذا اللوبي لا يقوم على المركزية، وإنما يمثل تحالفا فضفاضا من عدد من المنظمات التي لا تتفق بالضرورة على كافة القضايا. مثًل والت لأحد هذه الخلافات داخل اللوبي الإسرائيلي بالحل المطروح بشأن إقامة دولتين. أشار والت أيضا إلى الفارق الجوهري بين اللوبي الإسرائيلي والأمريكيين اليهود، مؤكدا أن: “العديد من الأمريكيين اليهود لا يدعمون هذا اللوبي، كما أن بعض المجموعات التي تدعمه ليست يهودية.”
يعمل اللوبي الإسرائيلي، كما ألمح والت، بعدة طرق، إحداها التأكيد على أن الذين يفوزون بالمناصب القيادية في الانتخابات الأمريكية ينتمون دائما إلى فئة المتعاطفين معه، ومع دولة إسرائيل، وأن – كما يشير والت – “تكلفة توجيه انتقادات إلى دولة إسرائيل حتى ولو تلميحا شاقة وباهظة على أي سياسي أمريكي”، لأن هذا اللوبي يتمتع بالقدرة على تشكيل الرأي العام والخطاب الشعبي، ومن ثم يتجه الناس دائما إلى تأييد السياسات الموالية لإسرائيل. يتضح هذا بجلاء في المساحة الضيقة التي يمنحها الإعلام الأمريكي للآراء المتعلقة بالسياسات الإسرائيلية، فضلا عن عدم مناقشة هذه السياسات إلا في مناسبات قليلة للغاية. واستشهد والت بردة الفعل التي أثارها كتاب جيمي كارتر “فلسطين: السلام لا التمييز العنصري”، كمثال على ذلك، حيث قامت العديد من الجماعات بنشر دعايا تدين الكتاب، وتدعو القرًاء إلى مهاجمة المؤلف، كما سحب اللوبي أموال الدعايا كطريقة لضمان تماهي وسائل الإعلام مع سياساته، مما جعل هذه الوسائل تميل ميلا عظيما باتحاه المصالح الإسرائيلية.
يرجع تأثير اللوبي بالأساس – كما أوضح والت وميرشايمر – إلى ملاحقة منتقديه بتهم معاداة السامية، فينصرف الناس مخافة هذه الاتهامات عن القضية الأساسية ويحجمون عن المشاركة في هذا الجدل السياسي ويثبط عزائمهم، على الصعيدين العام والسياسي، عن مواجهة تأثير اللوبي.
من جانبه، مضى ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية، والمدير المساعد لبرنامج سياسة الأمن الدولي بجامعة شيكاغو، أبعد من ذلك، حيث ساق العديد من الأدلة التي تؤكد أن السياسة الخارجية الأمريكية لا تمثل المصالح الأمريكية العليا، وأوضح أن اللوبي الإسرائيلي يمثل السبب الرئيسي في المحاباة التي تبديها الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، وعجز أمريكا عن ممارسة أي ضغوط على إسرائيل لوقف ممارساتها المستهجنة، مثل التوسع في بناء المستوطنات. لقد طالبت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ تولي الرئيس كلينتون، الحكومة الإسرائيلية بوقف بناء المستوطنات، إلا أن الأخيرة استمرت في هذه السياسة وراحت تضاعف من أعداد المستوطنين، لذا – كما يرى ميرشايمر – “يأتي هذا التوسع نتيجة لسياسات إسرائيل الداخلية، لكنه لا يصب في النهاية في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.”
إذا كانت السياسات الإسرائيلية التي ينافح عنها اللوبي الإسرائيلي تتعارض مع المصالح الأمريكية، فإنها تتعارض بصورة أكبر مع مصالح فلسطين وسائر بلدان الشرق الأوسط، حيث يصب الدعم الأمريكي لإسرائيل – كما يؤكد والت وميرشايمر – باتجاه إذكاء الغضب الفلسطيني، وبالتالي إذكاء الإرهاب ودفع العديد من الناس إلى مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يؤدي إلى مزيد من التعاطف والدعم للإرهاب، وليس أدل على ذلك من تقرير لجنة 11 سبتمبر الذي أكد أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يمثل السبب الرئيسي لهذا الهجوم.
وأوضح ميرشايمر أن سياسات اللوبي الإسرائيلي ما كانت لتمثل مشكلة، إذا توافقت مع المصالح العليا الأمريكية، لكنها ليست كذلك.